بسم الله الرحمن الرحيم
[center]الإعجاز القصصي
في القرآن الكريم
القصة القرآنية وأسرار تكرارها في
القرآن العظيم
المهندس عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
مقدمة
الحمد لله الذي منَّ علينا بعلمٍ نسأله تعالى أن يجعله علماً نافعاً نزداد
به إيماناً وحباً لهذا القرآن الذي أنزله رب العزة سبحانه ليكون نوراً وهدى وشفاء
ورحمة للمؤمنين، وصلى الله على رسول الله للعالمين كافة محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إن هذا البحث هو واحد من سلسلة من الأبحاث العلمية التي تهدف إلى اكتشاف
أسرار وعجائب كتاب الله تعالى. وفي كل بحث يعيش القارئ مع حقائق رقمية جديدة تبرهن
على المعجزة القرآنية في هذا العصر الذي أصبح للغة الأرقام مكان بارز فيه.
وفي الفقرات التالية سوف نحاول الإجابة عن سؤال مهم: ما هو سر تكرار القصة
في القرآن الكريم؟ وسوف نرى أن هذا التكرار يخفي وراءه معجزة عظيمة، إنها المعجزة
القصصية لسور القرآن العظيم.
إن محور الإعجاز الرقمي لآيات القرآن وسوره يعتمد على الرقم (7)، وهنا تتجلى
عظمة الخالق عز وجل، فقد اقتضت حكمته أن يجعل عدد السماوات (7) من الأرض مثلهن،وأن
يجعل أيام الأسبوع (7) وأن يجعل لغة القرآن ـ اللغة العربية ـ ثمانية وعشرين حرفاً
أي (7 × 4) وأن يجعل أعظم سورة فيه هي السبع المثاني وهي فاتحة الكتاب وهي (7)
آيات... وحقائق أخرى لا تحصى عن الرقم (7).
عندما ندرك هذه الحقائق الثابتة نعلم أن الله تعالى هو الذي أنزل هذا القرآن
ورتَّب آياته وسوره بما ينسجم مع الرقم (7)، وهذا دليل على أن خالق الكون هو نفسه
منزل القرآن.
كما يؤكد هذا البحث على أن ترتيب سور القرآن قد تمَّ بإرادة الله وقدرته
وإلهامه، وأن هذا الترتيب هو بحدِّ ذاته معجز للبشر، وهذا ما تثبته لغة الأرقام من
خلال الأمثلة التي اخترتها والتي هي غيض من فيض، فعدد الحقائق الرقمية في كتاب
الله لا يُحصى وعجائب القرآن الكريم لا تنقضي وأسراره لا نهاية لها.
هذا البحث...
لِمَن؟
القرآن الكريم هو كتاب موجّه لكل البشر بلا استثناء، لذلك أي بحث حول كتاب
الله هو بحث موجَّه أيضاً لكل البشر. فكل مؤمن بهذا القرآن ينبغي عليه أن يبحث عن
كل ما هو جديد حول كتاب ربه، فمن أحب شيئاً تعلق به، ولكن قد يأتي من يقول: ما
فائدة هذه الأرقام، وهل هذه الأرقام تقربنا إلى الله تعالى؟
عندما جاء نبي الله صالح عليه السلام إلى قومه طلبوا منه المعجزة، فآتاه
الله الناقة فكانت دليلاً له على نبوته وصدق رسالته من الله سبحانه وتعالى، ولما
أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه أيضاً طلبوا منه معجزة فآتاه الله
العصا لتكون حجة له على قومه. وهذه حال رسل الله عليهم السلام، وهنا نتساءل: هل
كانت الناقة هدفاً بحد ذاتها؟ هل كانت العصا هي الغاية؟ إن هذه كانت مجرد وسائل
مادية لترغم الكافر على الاعتراف بصدق الرسالة الإلهية، وكذلك لغة الأرقام وضعها
رب العزة سبحانه في كتابه لتكون وسيلة متجددة في عصرنا هذا لنزداد إيماناً بعظمة
كتاب الله تعالى ونزداد حباً لمن أنزل عليه القرآن، هذا النبي الأمي عليه الصلاة
والسلام الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ونتذكر قول الحبيب ‘ قبل 14 قرناً عن علاقة
القرآن بالرقم (7): (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف)
[البخاري ومسلم]، في هذا الحديث الشريف هنالك معجزة نبوية، فمن الذي أخبر الرسول
الكريم ‘ في ذلك الزمن بهذه الحقيقة التي نكتشفها اليوم؟
حول لغة الأرقام
المعجزة هي الشيء الذي لا يمكن لبشرٍ أن يأتي بمثله، ومن عظمة المعجزة
القرآنية أنها تناسب كل زمان ومكان ومستمرة على مرِّ العصور.
نحن كلنا نعلم أن القرآن قد نزل في قوم برعوا بالشعر واللغة، فجاءت المعجزة
القرآنية لتعجزهم لغوياً وبلاغياً، حتى قالوا عن القرآن بأنه سحر، والإنسان لا يصف
شيئاً بالسحر إلا إذا أذهله هذا الشيء وأصبح فوق مستوى تفكيره. فالعرب قوم كان
سلاحهم الفصاحة والبيان، فعندما سمعوا أسلوب القرآن كان هذا الأسلوب الرائع وسيلة
لإقناعهم بأن هذا القرآن ليس قول بشر بل هو قول رب البشر سبحانه.
هذه هي قوة المعجزة، تقلب الملحد من الإلحاد إلى الإيمان بسرعة، وربما نتذكر
كيف كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما سمع آيات من سورة طه، فتحول
فجأة إلى إنسانٍ رقيق تدمع عينيه من خشية الله تعالى بعد أن كان من المعاندين لهذا
الدين.
وتأمل معي العصر الذي نعيشه اليوم، هل بقي للبلاغة مكان يُذكر؟ لقد أصبح
للأرقام بلاغة ربما تفوق بلاغة الكلمات، وأصبحت لغة الرقم هي لغة الإقناع ولغة
العلم ولغة التطور. والحكمة تقتضي أن تكون معجزة القرآن في هذا العصر معجزة علمية
ورقمية.
فالإعجاز العلمي للقرآن لا يخفى على أحد، فقد تحدث كتاب الله عن حقائق علمية
وكونية وطبيَّة... لم يكتشفها العلم الحديث إلا منذ سنوات فقط، أليس هذا إعجازاً
علمياً للقرآن؟
ولغة الأرقام في القرآن والتي نحاول اليوم اكتشافها سيكون لها الأثر الأكبر
في المستقبل لإقناع غير المؤمنين بأن هذا القرآن هو كتاب الله.
لماذا تتكرر القصة في القرآن الكريم؟
إن أي تساؤل حول كتاب الله لا نجد جواباً عنه يُخفي وراءهُ معجزة عظيمة.
والسؤال الذي طالما كرره العلماء: ما هو السر الحقيقي وراء تكرار القصة في كتاب
الله تعالى؟ وقد تمحورت آراء العلماء في ذلك حول أهداف ثلاثة:
1 ـ الحكمة من تكرار القصة القرآنية في مواضع متعددة من كتاب الله تعالى هي
زيادة العبرة والموعظة ولتذكير المؤمن دائماً بعاقبة المكذبين من الأمم السابقة،
ليبقى في حالة يقظة وخشية مستمرة وخوف من عذاب الله تعالى.ومن جهة ثانية ليبقى في
حالة سرور وتفاؤل برحمة الله ووعده وأنه ينجي عباده المؤمنين.
2 ـ إن من حكمة الله تعالى في ذكر القصة ذاتها في عدة سور هو استكمال جوانب
القصة، فتُذكر القصة مختصرة جداً أحياناً وأحياناً مطوَّلة، وأحياناً تُذكر أحداث
جديدة في كل مرة. إذن هنا القصة لا تتكرر إنما تتكامل.
3 ـ إن تكرار القصة في مواضع محددة من آيات القرآن يضفي على أسلوب القرآن
جمالية وروعة وبياناً لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثله. وبالرغم من تكرار القصة عبر
سور القرآن الذي استمر نزوله فترة 23 عاماً، لا نجد أبداً أي تناقض أو نقص أو
خلاف، إذن نحن هنا أمام معجزة لغوية وبيانية تشهد على أن القرآن كتاب الله تعالى.
إن الأهداف الثلاثة هذه صحيحة وتشكل بمجملها جواباً مقنعاً عن سرِّ تكرار
القصة القرآنية، ولكن هنالك هدف رابع مهم جدّاً تحدثنا عنه لغة الأرقام. فمعجزة
القرآن العظيم لا تقتصر على بلاغته وجمال أسلوبه بل إن وراء هذه اللغة البليغة لغة
لا تقل بلاغة عن بلاغة الكلمات، وهي لغة الأرقام التي تأتي اليوم لتثبت بشكل قاطع
أن القرآن كتاب مُحْكَم، وأن تكرار القصة إنما يتبع نظاماً رقمياً مذهلاً، وهذا ما
سنراه في صفحات هذا البحث إن شاء الله تعالى.
نحو نظام رقمي لسور القرآن
لقد أنزل الله القرآن خلال (23) سنة، وقال فيه: (إِنّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 15/9]،
هذا البيان الإلهي يؤكد أن الله تعالى قد حفظ كل شيء في كتابه دون تحريف أو تغيير
إلى يوم القيامة، وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن ترتيب سور القرآن الذي نراه الآن
أيضاً قد حدث بعناية الله وحفظه وقدرته، وربما يسأل سائل لماذا يختلف ترتيب سور
القرآن عن ترتيب نزول هذه السور زمنياً. وسوف نجد أن هذا الترتيب يخفي وراءه معجزة
وهذا ما سنثبته بلغة الأرقام.
لقد تبين من خلال الدراسة العلمية الرقمية لتكرار كلمات القرآن، بأن هذا التكرار
يتبع نظاماً رقمياً مُحْكَماً يعتمد على الرقم (7)، وسوف نقتصر في بحثنا هذا على
كشف النظام المذهل لسور القرآن. والمنهج الجديد الذي نعتمده هو صف أرقام السور
بجانب بعضها حسب تسلسلها في كتاب الله، وقراءة هذه الأرقام كما هي من دون أن
نجمعها أو نغير فيها شيئاً، بكلمة أخرى: ندرس القرآن كما هو دون زيادة أو نقصان أو
تبديل أي شيء فيه. وهذه الطريقة تعطي نتائج دقيقة حتى إنه يمكننا القول: إن كل
كلمة وكل حرف في هذا القرآن إنما وضعه الله تعالى وفق نظام دقيق جداً، ولو تغير
حرف واحد لاختل هذا النظام البديع.
فالقرآن كتاب مُحْكَم كيفما نظرنا لآياته وسوره وجدناها مُحْكَمة إحكاماً
دقيقاً، ولكي ندرك جانباً من هذا الإحكام وعلاقته بالرقم (7) نلجأ إلى أول سورة
وآخر سورة في كتاب الله لنجد أن رقم أول سورة هو (1)، ورقم آخر سورة هو (114). نضع
هذين الرقمين في جدول بسيط:
الســـــورة أول
سورة في القرآن آخر سورة في القرآن
رقـمـهــا 1 114
من هذا الجدول عندما نصف الرقمين (1 ـ 114) نحصل على عدد جديد هو (1141) أي
(ألف ومئة وواحد وأربعون)، هذا العدد الذي يمثل أول وآخر سورة يقبل القسمة تماماً
على (7)، أي العدد (1141) ينقسم على (7) من دون باقٍ، لذا:
1141 = 7 × 163
إن مجموع
أرقام العدد (1141) هو سبعة:1+ 4+ 1+ 1 = 7
إن سور القرآن العظيم البالغ عددها (114) سورة قد رتبها الله تعالى ونظم
كلماتها بشكل يعجز البشر عن الإتيان بمثله. فنجد الكلمة القرآنية تتكرر عبر سور
القرآن بنظام رقمي يكون الرقم (7) هو الرقم المشترك بين هذه السور.
في الفقرات القادمة سوف نشاهد بعض المواقف من قصص القرآن، وكيف تكررت
كلماتها بنظام مُحْكَم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأمثلة هي جزء صغير وصغير جداً مما هو موجود في
كتاب الله عزَّ وجل.
من قصة إبراهيم عليه السلام
أول شيء رفضه الأنبياء جميعاً هو عبادة الأصنام، فهذا خليل الرحمن إبراهيم
عليه السلام يبدأ بأبيه الذي كان يتخذ آلهة من الأصنام فيقول منكراً عليه هذا
العمل: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ
أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)
[الأنعام: 6/74]، وتتكرر قصة إبراهيم عبر آيات القرآن، ولكن في موضع آخر يوجه
النداء إلى أبيه وقومه معاً فيقول: (وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا
تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا
فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) [الشعراء: 26/69 ـ 71].
الملفت للانتباه في هذين النصين من كتاب الله أن كلمة (أصناماً) لم ترد في القرآن كله إلا في هاتين السورتين
فقط. ودائماً في سياق قصة إبراهيم، بكلمة أخرى كلمة (أصناماً)
خاصة بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام. وهنا نكتشف شيئاً جديداً وهو أن كل كلمة من
كلمات القرآن تستخدم استخداماً دقيقاً جداً من أول القرآن وحتى آخره.
إذن نحن أمام نظام لغوي مُحْكَم، يرافقه نظام رقمي مُحْكَم أيضاً، ولكن كيف
ذلك، وما علاقة سورة الأنعام بسورة الشعراء؟ وما علاقة الرقم (7) بذلك؟
عندما نقوم بصَف رقمي السورتين (6 ـ 26) يتشكل لدينا عدد جديد هو (266)
(مئتان وستة وستون)، إن هذا العدد من مضاعفات الرقم (7)، أي ينقسم على (7) تماماً:
266 = 7 × 38
إن هذه النتيجة تتكرر كثيراً في كلمات القرآن، فمثلاً نجد البيان القرآني
يثني على إبراهيم عليه السلام وصبره وكثرة رجوعه إلى الله تعالى وشدة حِلمِه
وإنابته للخالق عز وجل.
يقول عز وجل في مُحْكَم الذكر عن إبراهيم عليه السلام: (وَمَا
كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا
إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة: 9/114]، ويتكرر هذا الثناء على إبراهيم عليه السلام في سورة أخرى،
يقول تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُنِيبٌ) [هود: 11/75]. وهنا نجد حقائق لغوية ورقمية، فكلمة
(أواه) في القرآن لم ترد إلا في هاتين السورتين، وكما نرى الحديث دائماً مرتبط
بصفة لإبراهيم عليه السلام، وكأن الله تعالى قد خَصَّ كل نبيٍّ بصفات لم يعطها
لغيره. فكلمة (أواه) هي صفة لسيدنا إبراهيم عليه
السلام، وهذه حقيقة لغوية لا يمكن ّّّلأحدٍ أن ينكرها.
وهنا نجد النظام نفسه يتكرر مع هذه الكلمة، فعندما نقوم بصفّ رقمي السورتين
(9 ـ 11) نجد عدداً جديداً هو (119)، هذا العدد أيضاً ينقسم على (7) من دون باق:
119 = 7 × 17
وهنا لدينا ملاحظة مهمة وهي أن سورة التوبة نزلت بعد سورة هود بسنوات ولكننا
نجد ترتيبها في القرآن بعكس ذلك. وهنا ربما نستنتج جزءاً من الحكمة في تسلسل سور
القرآن بالشكل الذي نراه. فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يختار ترتيباً لسور كتابه
يناسب النظام الرقمي المُحْكَم لهذه السور، فلو تغيرَّ هذا الترتيب لاختل هذا
النظام, والله تعالى أعلم.
إذن ترتيب سور القرآن تم بوحي وقدرة وإلهامٍ من الله سبحانه وتعالى، وهذا
دليل على صدق هذا القرآن وصدق رسالة الإسلام إلى البشر جميعاً.
ويجب ألا يخفى علينا أن الله تعالى قد نظَّم كل شيء في هذا الكون، كذلك
نظمَّ كل شيء في هذا القرآن.
من قصة بني
إسرائيل
لقد أنجى الله بني إسرائيل من عدوّهم فرعون ومنَّ عليهم بنعمٍ كثيرة، ولكنهم
قابلوا هذه النعم بالعصيان والطغيان. هذا هو كتاب الله ينطق بالحق ليعبرَّ لنا عن
حقيقة هؤلاء القوم، وقد وضع الله تعالى بحكمته كل كلمة من كلمات هذه القصة بشكل
يعجز البشر عن الإتيان بمثله.
قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل تكررت كثيراً في القرآن، هذا التكرر
يخفي وراءه معجزة رقمية. فعندما يتحدث القرآن عن نجاة بني إسرائيل من فرعون يُكرّر
هذا الحدث بنظام دقيق. فكلمة ( أَنجَيْنَاكُم}
تكررت في القرآن كله (3) مرات في هذه الآيات:
1 ـ (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ
فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)
[البقرة: 2/50].
2 ـ (وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ
يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) [الأعراف:
7/141].
3 – (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ
وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوَى) [طه: 20/80].
هذه الكلمة لم ترد في القرآن إلا أثناء الحديث عن بني إسرائيل ولم ترد في
أية قصة أخرى، فهذه الكلمة خاصة ببني إسرائيل واستُخدمت في وصف الموقف ذاته.
ومع أن السور الثلاثة التي ذكرت فيها هذه الكلمة متباعدة منها ما نزل بمكة
ومنها ما نزل بالمدينة، إلا أنها جاءت منسجمة من حيث المعنى اللغوي فلا خلاف
بينها. والعجيب فعلاً أن ترتيب هذه السور الثلاثة في القرآن يتبع نظاماً رقمياً.
والعدد الذي يمثل هذه السور الثلاث (2072) ينقسم على (7) تماماً:
2072 = 7 × 296
لقد أنجى الله تعالى بني إسرائيل من عدوهم فرعون، ليس هذا فحسب بل أنزل الله
عليهم المن والسلوى عسى أن يشكروا نعمة الله عز وجل، ويحدثنا القرآن عبر (3) آيات
عن هذه النعم، فيقول:
1 ـ (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ
وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
[البقرة: 2/57].
2 ـ (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ
اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ
عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ
وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
[الأعراف: 7/160].
3 ـ (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم
مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) [طه: 20/80].
تتكرر هذه الحقيقة ثلاث مرات ولكن النظام الرقمي يبقى واحداً، ويبقى الرقم
(7) هو محور هذا الإعجاز الإلهي.
إن أرقام السور هذه (2-7-20) تشكل عدداً يقبل القسمة على (7) تماماً:
2072 = 7 × 296
ولكن قد يسأل سائل: ماذا عن أرقام الآيات؟ ونقول إن كل شيء في هذا القرآن
منظم بنظام دقيق يفوق طاقة الإنس والجن. لذلك رأينا أن أرقام السور الثلاث تشكل
عدداً من مضاعفات الرقم سبعة، ولنكتب الآن أرقام هذه الآيات الثلاث لنرى أن النظام
الرقمي يبقى مستمراً:
إن العدد الذي يمثل هذه الآيات الثلاث هو (8016057) (عدد مركب من 7 مراتب)
ويقبل القسمة على (7) تماماً:
8016057 = 7× 1145151
وهنا نرى أن ناتج هذه القسمة (1145151) عدد مكون من (7) مراتب ويقبل القسمة
على (7) أيضاً:
1145151 = 7× 163593
ولكن بعد هذه النعم العظيمة لبني إسرائيل كيف كان ردهم على ذلك، وكيف قابلوا
هذه النعم؟ لقد قابلوا هذه النعم بالعصيان على الرغم من سماعهم لصوت الحق، لنتأمل
هاتين الآيتين في صفة بني إسرائيل وكيف عبَّر عنهم البيان الإلهي:
1 ـ (وَإِذْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم
بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ
الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن
كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 2/93].
2 ـ (مِّنَ
الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن
لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)
[النساء: 4/46].
إن عبارة سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا لم ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين وكما
نرى الحديث دائما على لسان بني إسرائيل، وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا بأن هذه
الكلمة لا تليق إلا بهؤلاء، فهي لم ترد على لسان أي من البشر إلا بني إسرائيل!
هذه الحقيقة نكتشفها اليوم لنعلم حقيقة هؤلاء اليهود الذين حرفوا كلام الله،
لذلك جاءت كلمة (وَعَصَيْنَا) لتعبر تعبيراً
دقيقاً عن مضمون هؤلاء. وقد لاحظتُ شيئاً عجيباً في هاتين الآيتين:
1 ـ الآية الأولى جاءت بصيغة الماضي
قَالُواْ ، فهذا يدل على ماضيهم وتاريخهم في
المعصية. ولكي لا يظن أحد أن هذا الماضي انتهى جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمرار وَيَقُولُونَ للدلالة على حاضرهم ومستقبلهم في معصية
أوامر الله تعالى، فهم في حالة عصيان مستمر.
2 ـ ولكن لغة الأرقام تأتي لتنطق بالحق وتصدق قول
الله تعالى، فأرقام السورتين تشكل عدداً يقبل القسمة على (7)، وكما نرى العدد الذي
يمثل السورتين هو(42) يقبل القسمة على (7) تماماً:
42 = 7 × 6
لم يكتفوا بعصيانهم بل أغلقوا قلوبهم وغلفوها بغلاف من الجحود والكفر، ويأتي
البيان القرآني ليصف قلوب هؤلاء على لسانهم، ولنستمع إلى هاتين الآيتين:
1 ـ (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل
لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:
2/88].
2 ـ (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم
بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ
قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ
إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 4/155].
وهنا من جديد نجد أن عبارة قُلُوبُنَا غُلْفٌ لم
ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين، وهذا يثبت أن كلمات القرآن تُستخدم بدقة
متناهية فكلمة غُلْفٌ هي كلمة خاصة ببني إسرائيل
بل لا تليق هذه الكلمة إلا بهم. ولكن هنالك شيء أكثر إدهاشاً.
1 ـ فــالآيــة الأولـى جـــاءت علـى صيغــة المـــاضـي وَقَالُواْ لتخبرنا عن ماضي هؤلاء وحقيقة قلوبهم
المظلمة، ثم جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمرار وَقَوْلِهِمْ
لتؤكد حاضرهم ومستقبلهم أيضاً، وهذا التدرج الزمني كثير في القرآن، فتسلسل الآيات
والسور يراعي هذه الناحية لذلك يمكن القول بأن القرآن يحوي من الإعجازات ما لا
يتصوره عقل: لغوياً وتاريخياً وعلمياً وفلسفياً وتشريعياً ورقمياً، ألا نظن أننا
أمام منظومة إعجازية متكاملة في هذا القرآن؟
2 ـ في الآية الأولى نلاحظ قول الله تعالى وردّه عليهم بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ، وهذا منتهى
الذل أن يلعنهم الله فماذا بقي لهم من الأمل في الدنيا أو الآخرة؟ ولكن الآية
الثانية نجد قول الله ورده عليهم بصيغة ثانية: بَلْ
طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا وهذا يؤكد أنه لا أمل لهذه القلوب أن تنفتح أمام
كلام الله، فقد لعنهم الله وطبع على قلوبهم فماذا ينتظرون بعد ذلك؟
3 ـ ولكن هل تنطبق هذه المــواصفـات على جميـع اليهــود؟
إن نهايتَي الآيتين تجيبنا على ذلك، فالآية
الأولى انتهت بـ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ للدلالة
على قلة إيمانهم أما الآية الثانية فانتهت بـ فَلاَ
يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً حتى المؤمنون منهم عددهم قليل جداً.
إذن هم قليلو الإيمان كيفاً وكماً. وهنا نتساءل: أليست هذه معجزة بلاغية
فائقة؟
ولكن للأرقام أيضاً بلاغتها ومنطقها، فقد جاءت أرقام السورتين متناسبة مع
الرقم (7)، العدد (42) في هذا الجدول يقبل القسمة على (7) أيضاً:
42 = 7 × 6
وهكذا لو سرنا عبر قصة بني إسرائيل في القرآن ومواقفهم مع نبي الله موسى
عليه السلام، لرأينا أن كل شيء يسير بنظام، وهذه القصة تحتاج لبحث مستقل بل مجموعة
من الأبحاث لكشف أسرار معجزة هذا القرآن.
من قصة صالح عليه السلام
النبي صالح عليه السلام هو رسول كريم أرسله الله لقوم زاد طغيانهم واستكبروا
في الأرض بغير الحق، إنهم قوم ثمود، لم يدمرهم الله فجأة، بل أرسل إليهم من
يحاورهم ويقيم عليهم الحُجَّة ويُقنعهم؟ وهكذا حال رسُل الله عليهم السلام، جاءوا
بالبينات وبالمجادلة بالتي هي أحسن.
لقد كانت معجزة هذا النبي الكريم هي الناقة التي أيَّده الله تعالى بها، فما
هي الآيات التي تحدثت عن معجزة هذا النبي الكريم؟ وهل يوجد وراء تكرارها معجزة
ثانية؟
لقد تكررت كلمة (الناقة) في القرآن بالضبط
(7) مرات، والحديث دائماً يخص قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام. لنستعرض هذه
الآيات السبعة لنرى أنه لا يوجد تكرار في القرآن، بل نظام متكامل:
1 ـ (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا
قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم
بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا
تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ) [الأعراف: 7/73].
2 ـ (فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 7/77].
3 ـ (وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ
آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) [هود: 11/64].
4 ـ (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ
إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً
فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء:
17/59].
5 ـ (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ
شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الشعراء: 26/155].
6 ـ (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً
لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) [القمر: 54/27].
7 ـ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ
اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) [الشمس: 91/13].
إذن تتكرر كملة النَّاقَةِ سبع مرات في
القرآن، وكما نرى الحديث دائماً في الآيات السبعة عن قصة سيدنا صالح عليه السلام
مع قومه ثمود. ولو تعمقنا في هذه القصة كيف تكررت في القرآن نجد أنه في كل سورة
تذكر فيها هذه القصة نجد أسلوباً جديداً في التعبير، وبالرغم من ذلك لا نجد أثراً
لأي تناقض أو اختلاف، أليس هذا دليلاً على أن القرآن هو كتاب مُحْكَم؟
وفي بحثنا هذا نحن نستخدم لغة الأرقام لإثبات معجزة القرآن في كل عصرٍ من
العصور. إن أرقام السور التي وردت فيها كلمة نَاقَةَ
هي:
7-11-17-26-54-91
إن هذه السور تتبع نظاماً رقمياً يعتمد على الرقم سبعة، فعندما نقوم بصف
أرقام هذه السور يتشكل لدينا عدد ضخم هو: (91542617117) هذا العدد ينقسم على (7)
تماماً، لنرى مصداق ذلك بلغة الأرقام:
91542617117 = 7 × 13077516731
إننا في هذه النتيجة أمام حقيقة رقمية ثابتة، فكلمات القرآن تتكرر بنظام
مُحْكَم وفق خطة رسمها البارىء عز وجل لكتابه ليكون أعظم كتاب على الإطلاق. فعلى
الرغم من تباعد هذه السور الستة ونحن نعلم أنها نزلت خلال فترة زمنية تمتد سنواتٍ،
جاءت كلمة (الناقة) دائماً في القصة ذاتها ولم
ترد في أية قصة أخرى، وهكذا حال كثير من كلمات القرآن الكريم.
ولكي نزداد يقيناً بعظمة هذا النظام المُحْكَم ندقق النظر في هذه القصة
وتكرارها في كتاب الله. فقد ورد تحذير على لسان صالح عليه السلام فقال لقومه في
ثلاث مواضع من القرآن عن عذاب الله:
1 ـ (وَإِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ
غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ
آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الأعراف: 7/73].
2 ـ (وَيَا قَوْمِ
هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ
تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) [هود: 11/64].
3 ـ (وَلَا تَمَسُّوهَا
بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء: 26/156].
هذه العبارة لم ترد إلا في هذه المواضع الثلاثة من كتاب الله، ودائماً على
لسان صالح عليه السلام، والمذهل أن كلمة فَيَأْخُذَكُمْ
لم ترد في القرآن كله إلا في هذه الآيات الثلاث، وكأن هذه الكلمة خاصة بقوم ثمود
وأنه سيأخذهم عذاب أليم ـ’قريب ـ عظيم.
وانظر معي إلى التدرج اللغوي في هذه الآيات الثلاث عن صفة عذاب الله فحذرهم
أولاً من (عذاب أليم) ولكنهم لم يستجيبوا لهذا
التحذير فأكد لهم بعدها بقوله: (عذاب قريب) أي أن عذاب الله قد اقترب، ولكنهم لم يبالوا
بهذا النداء فجاءهم التحذير الأخير ليصف أن اليوم الذي ينتظرهم قد اقترب كثيراً
فقال لهم (عذاب يوم عظيم) فأكد صدق هذا الوعد
بكلمة (يوم) وأنه سيكون يوماً عظيماً
هذا التدرج اللغوي المُحْكَم الذي يدل على إعجاز القرآن، نجد وراءه تدرجاً
رقمياً مذهلاً، فأرقام السور الثلاث هذه أيضاً لها علاقة بالرقم سبعة، إن العدد
الذي يمثل أرقام السور الثلاثة هو 26117 يقبل القسم على سبعة تماماً:
26117 = 7 × 3731
والعجيب أن ناتج القسمة هذا أيضاً ينقسم على (7) تماماً:
3731 = 7× 533
تجدر الإشارة إلى أن كلمة (ولا تمسّوها) أيضاً
لم ترد إلا في هذه الآيات الثلاث، فهي كلمة خاصة بقصة قوم ثمود ولم ترد في أي موضع
آخر. إننا في هذه الحالة أمام برنامج متكامل لاستخدام الكلمات في القرآن، وهذا
إعجاز جديد في كتاب الله تعالى وهو إعجاز استخدام الكلمات في القرآن الكريم.
ونتساءل: هل يستطيع أدباء البشر وشعراؤهم وعلماؤهم أن يؤلفوا كتاباً ضخماً
مثل القرآن ويحددوا مسبقاً استخدام كل كلمة من كلماته؟
نعود الآن للآيات السبعة حيث وردت كلمة (الناقة)
فإذا دققنا النظر في هذه الكلمة نجد أنها وردت بصيغة (ناقة)
أي غير معرَّفة (من دون الـ التعريف) (4) مرات، المذهل أن العدد الذي يمثل هذه
السور الأربعة يبقى قابلاً للقسمة على (7) تماماً:
9126117 = 7 × 1303731
وهنا نستنتج أن النظام الرقمي المُحْكَم لا يقتصر على كل كلمة من كلمات
القرآن فحسب، بل على شكل هذه الكلمة أيضاً. وبالنتيجة يمكن القول: كيفما نظرنا
لهذا القرآن وجدناه كتاباً مُحْكَماً.
وعلى الرغم من معجزة صالح عليه السلام، وتحذيره لقومه فإنهم كانوا قوماً
مفسدين، لم يستجيبوا لنداء الله تعالى ولا لتحذير رسوله فعقروا هذه الناقة. ويأتي
البيان الإلهي ليصف هذا التعدي على حدود الله وعاقبة ذلك. لنتأمل الآيات الثلاث
الآتية:
1 ـ (فَعَقَرُوهَا
فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ
مَكْذُوبٍ) [هود: 11/65].
2 ـ (فَعَقَرُوهَا
فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ) [الشعراء: 26/157].
3 ـ (فَكَذَّبُوهُ
فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا) [الشمس:
91/14].
إن كلمة (عقروها) لم ترد في القرآن كله إلا
في هذه الآيات الثلاث، وكما نرى الحديث دائماً عن قصة ثمود. في هذه الآيات معجزة
يمكن تسميتها بمعجزة تسلسل الحدث في القرآن. فالآية الأولى تحدثت عن وعد صالح عليه
السلام لهم بالعذاب جزاء فعلتهم، ثم تأتي الآية الثانية لتعبر عن ندمهم لأنهم
أدركوا أن العذاب واقع لا محالة. أما الآية الثالثة فجاءت بالعذاب مباشرة (فدمدم عليهم ربّهم). إذن جاءت التدرج الزمني للأحداث
عبر الآيات الثلاث من الوعد بالعذاب.. إلى اقتراب هذا العذاب حيث لا ينفع الندم...
وأخيراً وقوع هذا العذاب. ومع أن هذه الآيات متباعدة من حيث النزول ومن حيث
الترتيب في القرآن فقد جاءت متناسقة ومتدرجة وتعبر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذه
القصة. فأين هم كُتاّب القصة من نظام كهذا؟
إن أحدنا ينسى ما كتبه في الأسبوع الماضي، فهل بقي محمد ‘ وهو النبي الأمي
متذكراً هذه القصة وغيرها (23) سنة؟ أليس في هذا دليل على صدق رسالة هذا الرسول
الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم؟
ولكن قد يأتي من لا تقنعه لغة الكلمات هذه على وضوحها، فهل أعد الله لأمثال
هؤلاء لغة تقنعهم؟ إنها لغة الرقم التي لن يجد أعداء القرآن مهرباً من الاعتراف
بها ولوفي قرارة أنفسهم.
فلو عدنا للآيات الثلاث حيث وردت كلمات (عقروها)
لوجدنا أنها تقع في ثلاث سور ، إن العدد الذي يمثل هذه السور الثلاث هو(912611)
ينقسم على (7) تماماً:
912611 = 7 × 130373
وسبحان الله! أرقام السور ذاتها تتكرر ويبقى نظام ثابتاً وواحداً وشاهداً
على وحدانية البارىء عز وجل!!
ملاحظة:
إن أرقام السور الستة حيث وردت كلمة (الناقة)
تتشابك مع بعضها دون أن يختل النظام الرقمي لها:
1 ـ كلمة (الناقة) وردت في السور: (7، 11،
17، 26، 54، 91).
2 ـ كلمة (ناقة) وردت في السور: (7، 11،
26، 91).
3 ـ كلمة (يأخذكم) وردت في السور: (7، 11،
26).
4 ـ كلمة (عقروها)
وردت في السور: (11، 26، 91).
وانظر معي إلى عظمة المعجزة الرقمية، فالأرقام ذاتها تتكرر والكلمات أيضاً
نفسها تتكرر ويبقى النظام الرقمي واحداً لا يختلف ولا يتغير. فكل عدد من الأعداد
الأربعة السابقة يقبل القسمة على (7) تماماً:
1 ـ (91542617117) : يقبل القسمة على (7).
2 ـ (9126117) : يقبل القسمة على (7).
3 ـ (26117) : يقبل القسمة على (7).
4 ـ (912611) : يقبل القسمة على (7).
إن هذه الأعداد الأربعة قد دخل في تركيبها العدد (11) (رقم سورة هود) والعدد (26) (رقم سورة الشعراء)، أما الرقم (7) (سورة الأعراف) فقد دخل في تركيب الأعداد
الثلاث الأولى... وهكذا منظومة وشبكة من الأرقام، فهل نستطيع نحن البشر تركيب مجرد
أرقام بهذه المواصفات؟ فكيف إذا كانت هذه الأرقام تعبر عن أحداث وقصص وكلمات
بليغة؟ أليست هذه آية من آيات الله في آفاق أرقام الواسعة؟ الإعجاز التاريخي لقصص
القرآن
لا يوجد في العالم كتاب مثل القرآن يسرد القصة ويكررها مراراً، وبالرغم من
ذلك لا تملُّ منه الألسُن ولا يشبع منه العلماء ولا تنقضي عجائبه، وهذا أمر طبيعي
فالقرآن كتاب الله رب البشر، فهل يعقل أن يتفوق البشر على خالقهم؟ والذي لا يؤمن
بكتاب ربه فبمَ يؤمن إذن؟
وفي هذا البحث تصديق واضح لكلام الله تعالى، فلو أراد أحد أن يؤلف كتاباً
يشبه القرآن ويراعي النظام الرقمي لتكرار الكلمات فلن يستطيع بل سيحصل على ما يشبه
الكلمات المتقاطعة التي لا معنى لها، وربما هذه لا يتمكن منها أبداً. فالله تعالى
تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ليس لغوياً فحسب بل رقمياً أيضاً.
فلو قام أحدنا بتركيب أرقام تنقسم على (7)، فإنه سيجد صعوبة وجهداً خصوصاً
عندما تكثر هذه الأرقام. ولا ننسى أننا في هذا النظام الرقمي لسور القرآن نحن أمام
أعداد محددة ومتسلسلة، أي من (1) وحتى (114)، وتراعي تسلسل سور القرآن، فلا يجوز
تقديم رقم على رقم أو سورة على سورة، وبالرغم من ذلك نجد أن كلمات القرآن كلها
مُحْكَمة سواءً رأينا هذا الإحكام أم لم نتمكن من رؤيته. والأمثلة في هذا البحث هي
غيض من فيض فلو استعرضنا كلمات القرآن كلها وحروفه، لاحتجنا إلى مئات الأبحاث العلمية.
ولكن الهدف ليس كثرة الأرقام بل ما تعبر عنه هذه الأرقام، لندرك عظم شأن هذا
القرآن وعظم هذا النبي الأمي ‘ الذي علم العلماء وكان رحمة للعالمين.
والآن سوف نرى أن النظام المُحْكَم لسور القرآن لا يقتصر على كلماته فحسب,
بل الكلمات التي تعبر عن مرحلة زمنية أيضاً منظمة تنظيماً زمنياً دقيقاً.
إبراهيم ويوسُف عليهما السلام
قصتين في القرآن لرسولين تجمع بينهما صفة الصبر على الأذى، إبراهيم عليه
السلام صبر على أذى أبيه وقومه ويأتي بعده يوسف عليه السلام ليصبر على إخوته، وفي
كلتا القصتين يأتي الأذى من قريب (أبو إبراهيم ـ وإخوة
يوسف). وتبدأ قصة إبراهيم عليه السلام: عندما علَّمه الله تعالي وأراه ملكوت
السماوات والأرض. يقول تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) [الأنعام: 6/76].
ويأتي من بعده يوسف عليه السلام لتبدأ قصتهُ أيضاً برؤيا يقصها على أبيه
فيقول: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي
رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي
سَاجِدِينَ) [يوسف: 12/4]. والعجيب أن كلمة (كوكباً)
لم ترد في القرآن إلا في هاتين الآيتين في سياق قصة إبراهيم وقصة يوسف عليهما
السلام. وجاء تسلسل الآيتين في كتاب الله مطابقاً للتسلسل التاريخي لقصة هذين
الرسولين. فكما نعلم إبراهيم يسبق يوسف زمنياً فيوسف هو حفيد إبراهيم، وهذه معجزة
تاريخية لقصص القرآن العظيم.
أرقام السورتين حيث وردت كلمة (كوكباً) حسب
تسلسلها في القرآن تشكل عدداً هو (126) من مضاعفات الرقم سبعة:
126 = 7 × 18
حتى أرقام الآيتين قد رتبها الله تعالي بشكل يتناسب مع الرقم (7)، إن العدد
الذي يمثل رقم الآيتين هو (476) ينقسم على (7) تماماً:
476 = 7 × 68
ولكن العجيب أن ناتجي القسمة في كلتا الحالتين (18) و(68) لو قمنا بصف هذين
العددين لنتج معنا عدد يقبل القسمة على (7) أيضاً:
6818 = 7 × 974
إذن أرقام السور نظمها الله بنظام مُحْكَم، أرقام الآيات أيضاً نظمها الله
بنظام مُحْكَم، وحتى ناتج القسمة نظَّمه الله تعالى بنظام مُعجز، أليست هذه معجزة
تستحق التدبر والاهتمام؟ وهل يمكن لمعجزة القرآن العظيم أن تكون وسيلة لزيادة
الإيمان وزيادة التدبر في آيات القرآن وبالتالي زيادة القرب من الله تعالى؟
كلمة لأربع أنبياء
يبشر الله عباده المؤمنين برسول كريم اسمه أحمد ‘، وتأتي البشرى على لسان
روح الله وكلمته المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فيقول هذا الرسول الكريم لبني
إسرائيل مبشراً لهم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً
لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن
بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُّبِينٌ) [الصف: 61/6]. ونحن نعلم أنه لا نبي بعد رسول الله ‘ فهو خاتم
النبيين.
إن عبارة (من بعدي) في هذه الآية تدل على
زمن، هذه العبارة تكررت في القرآن، ونسأل: كيف تكررت هذه العبارة وعلى لسان مَن
وردت؟ وما هو ترتيب الآية السابقة التي جاءت على لسان المسيح عليه السلام؟ لنستمع إلى هذه الآيات الأربعة:
1 ـ (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ
الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ
إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً
وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
[البقرة:2/133].
2 ـ (وَلَمَّا رَجَعَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن
بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ
أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 7/150].
3 ـ (قَالَ
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي
إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [ص: 38/35].
4 ـ (وَإِذْ قَالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً
لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن
بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُّبِينٌ) [الصف: 61/6].
إن كلمة (بعدي) لم ترد إلا في هذه الآيات
الأربعة من القرآن، ولكن السؤال على لسان من وردت هذه الآيات؟ إذا استعرضنا هذه
الآيات من القرآن وجدنا أن:
1 ـ الآية الأولى في سياق قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ الآية ثانية في سياق قصة موسى وهارون عليهما السلام.
3 ـ
الآية الثالثة في سياق قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ الآية الرابعة في سياق قصة المسيح عليه السلام والبشرى.
هذه لغة القصة في كتاب الله تعالى, ولكن ماذا تخبرنا لغة التاريخ؟
إن تسلسل هذه الآيات الأربعة مطابق تماماً للتسلسل التاريخي لهذه القصص،
فنحن جميعاً نعلم دون خلاف أن التسلسل التاريخي للأنبياء الأربعة هو: يعقوب ثم
موسى ثم داود ثم المسيح عليهم السلام، لذلك جاء تسلسل الآيات الأربعة موافقاً لهذا
الترتيب. وهنا ربما ندرك الحكمة من أن ترتيب سور المصحف يختلف عن ترتيب نزول سور
القرآن، لأن هذا الترتيب فيه معجزة!
ولكن هنالك ملاحظة مذهلة وهي أن كلام المسيح عليه السلام والبشرى التي جاء
بها، ورد في آخر هذه الآيات وهذا دليل على أنه لا نبي بعد رسول الله ‘. وهذا ليس
كل شيء فلا يزال هنالك المزيد، فالأرقام لها حديث هنا، فلو قمنا بكتابة أرقام
السور الأربعة حيث وردت كلمة (بعدي) نجد أن العدد
الذي يمثل هذه السور الأربعة هو (613872) يقبل القسمة على (7) تماماً:
613872 = 7 × 87696
والعدد الناتج من هذه العملية هو (87696) أيضاً ينقسم على (7) تماماً:
12528 × 7 = 87696
الترتيب الزمني للقصة
الإسلام هودين العلم، لذلك فقد علمَّ الله أنبياءه ورُسلَه الكرام فقال في
حق يعقوب عليه السلام: (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ
حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا
عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف:
12/68].
أما العبد الصالح في قصته مع موسى عليه السلام فقد قال الله فيه (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ
عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً) [الكهف: 18/65].
وفي قصة داود وسليمان عليهما السلام فقد علمَّ الله سليمان علوماً كثيرة
فقال: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ
لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) [الأنبياء:
21/80].
ولكن عندما يكون الحديث عن خاتم النبيين يأتي البيان الإلهي ليمدح هذا النبي
الأمي ‘ ويؤكد بأن كل كلمة نطق بها إنما هي وحي من عند الله تعالى. يقول تعالى عن
نبيه وحبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام: (وَمَا
عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ
مُّبِينٌ) [يس: 36/69].
والعجيب حقاً أن كلمة (عَلَّمْنَاهُ) وردت
مع أنبياء الله وعباده المؤمنين دائماً بصيغة الإثبات إلا مع الرسول الأعظم ‘ فقد
جاءت بصيغة النفي (وما عَلَّمْنَاهُ) ليؤكد لنا
أن القرآن هو كتاب الله تعالى وليس للرسول ‘ ولا حرفاً فيه بل كلٌّ من عند الله.
وهذه الحقيقة اللغوية ثابتة لأن كلمة (عَلَّمْنَاهُ)
تكررت في القرآن كله 4 مرات، والحديث عن 4 عباد صالحين هم: يعقوب ـ الخَضِر ـ داود
ـ محمد عليهم السلام وجاء ترتيب هذه الآيات الأربعة موافقاً ومطابقاً للتسلسل
التاريخي.
1 ـ قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ قصة موسى مع الخضر عليهما السلام.
3 ـ قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ حديث عن محمد صلى الله عليه وسلم.
ونتساءل: هل جاء الترتيب الزمني والترتيب القرآني متطابقاً بالمصادفة؟ وهل
يمكن لمصادفة أن تتكرر؟
لنكتب أرقام السور الأربعة حيث وردت هذه الكلمة حسب تسلسلها في القرآن:
وهنا نجد الإعجاز الرقمي لهذه الأعداد، فالعدد الجديد المتشكل من أرقام هذه
السور الأربعة هو (36211812) يقبل القسمة على (7) تماماً:
36211812 = 7 × 5173116
بعد هذه النتائج التي لا تقبل الجدل فلغة الأرقام هي لغة يقينية وثابتة،
وبعدما رأيناه من إعجاز لغوي وتاريخي ورقمي نطرح سؤالاً على كل من لم يؤمن بهذا
القرآن: كيف جاء هذا النظام المُحْكَم؟ هل كان الرسول الكريم ‘ متفرغاً للحسابات
والأرقام؟ هل كان أصحابه رضوان الله عليهم عندما جمعوا القرآن ورَّتبوه بالشكل
الذي نراه وبالشكل الذي ارتضاه الله لكتابه، هل كانوا علماء في الرياضيات والأنظمة
الرقمية؟
من خطاب نوح لقومه
لقد استكبر قوم نوح عليه السلام عن الإيمان وطلبوا منه أن يطرد المؤمنين
فقال لهم: (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ
آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً
تَجْهَلُونَ) [هود: 11/29].
وفي موضع آخر ورد هذا الرد على لسان نوح عليه السلام فقال لقومه: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء:
26/114].
إذن كلمة (طارِد) تكررت مرتين في القرآن
كله ودائما ترد هذه الكلمة على لسان نوح عليه السلام، وجاءت أرقام السورتين: هود
(11)، الشعراء (26) لتشكل عدداً هو (2611) من مضاعفات السبعة بالاتجاهين:
العدد: 2611 = 7 × 373
مقلوبه: 1162 = 7 × 166
ومجموع الناتجين (373) و (66) يعطي عدداً من مضاعفات السبعة لمرتين:
373+ 66 = 539 = 7 × 7 × 11
ولكن الله تعالى ينجي رسله الذين آمنوا، فقد تك
[center]الإعجاز القصصي
في القرآن الكريم
القصة القرآنية وأسرار تكرارها في
القرآن العظيم
المهندس عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
مقدمة
الحمد لله الذي منَّ علينا بعلمٍ نسأله تعالى أن يجعله علماً نافعاً نزداد
به إيماناً وحباً لهذا القرآن الذي أنزله رب العزة سبحانه ليكون نوراً وهدى وشفاء
ورحمة للمؤمنين، وصلى الله على رسول الله للعالمين كافة محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إن هذا البحث هو واحد من سلسلة من الأبحاث العلمية التي تهدف إلى اكتشاف
أسرار وعجائب كتاب الله تعالى. وفي كل بحث يعيش القارئ مع حقائق رقمية جديدة تبرهن
على المعجزة القرآنية في هذا العصر الذي أصبح للغة الأرقام مكان بارز فيه.
وفي الفقرات التالية سوف نحاول الإجابة عن سؤال مهم: ما هو سر تكرار القصة
في القرآن الكريم؟ وسوف نرى أن هذا التكرار يخفي وراءه معجزة عظيمة، إنها المعجزة
القصصية لسور القرآن العظيم.
إن محور الإعجاز الرقمي لآيات القرآن وسوره يعتمد على الرقم (7)، وهنا تتجلى
عظمة الخالق عز وجل، فقد اقتضت حكمته أن يجعل عدد السماوات (7) من الأرض مثلهن،وأن
يجعل أيام الأسبوع (7) وأن يجعل لغة القرآن ـ اللغة العربية ـ ثمانية وعشرين حرفاً
أي (7 × 4) وأن يجعل أعظم سورة فيه هي السبع المثاني وهي فاتحة الكتاب وهي (7)
آيات... وحقائق أخرى لا تحصى عن الرقم (7).
عندما ندرك هذه الحقائق الثابتة نعلم أن الله تعالى هو الذي أنزل هذا القرآن
ورتَّب آياته وسوره بما ينسجم مع الرقم (7)، وهذا دليل على أن خالق الكون هو نفسه
منزل القرآن.
كما يؤكد هذا البحث على أن ترتيب سور القرآن قد تمَّ بإرادة الله وقدرته
وإلهامه، وأن هذا الترتيب هو بحدِّ ذاته معجز للبشر، وهذا ما تثبته لغة الأرقام من
خلال الأمثلة التي اخترتها والتي هي غيض من فيض، فعدد الحقائق الرقمية في كتاب
الله لا يُحصى وعجائب القرآن الكريم لا تنقضي وأسراره لا نهاية لها.
هذا البحث...
لِمَن؟
القرآن الكريم هو كتاب موجّه لكل البشر بلا استثناء، لذلك أي بحث حول كتاب
الله هو بحث موجَّه أيضاً لكل البشر. فكل مؤمن بهذا القرآن ينبغي عليه أن يبحث عن
كل ما هو جديد حول كتاب ربه، فمن أحب شيئاً تعلق به، ولكن قد يأتي من يقول: ما
فائدة هذه الأرقام، وهل هذه الأرقام تقربنا إلى الله تعالى؟
عندما جاء نبي الله صالح عليه السلام إلى قومه طلبوا منه المعجزة، فآتاه
الله الناقة فكانت دليلاً له على نبوته وصدق رسالته من الله سبحانه وتعالى، ولما
أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه أيضاً طلبوا منه معجزة فآتاه الله
العصا لتكون حجة له على قومه. وهذه حال رسل الله عليهم السلام، وهنا نتساءل: هل
كانت الناقة هدفاً بحد ذاتها؟ هل كانت العصا هي الغاية؟ إن هذه كانت مجرد وسائل
مادية لترغم الكافر على الاعتراف بصدق الرسالة الإلهية، وكذلك لغة الأرقام وضعها
رب العزة سبحانه في كتابه لتكون وسيلة متجددة في عصرنا هذا لنزداد إيماناً بعظمة
كتاب الله تعالى ونزداد حباً لمن أنزل عليه القرآن، هذا النبي الأمي عليه الصلاة
والسلام الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ونتذكر قول الحبيب ‘ قبل 14 قرناً عن علاقة
القرآن بالرقم (7): (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف)
[البخاري ومسلم]، في هذا الحديث الشريف هنالك معجزة نبوية، فمن الذي أخبر الرسول
الكريم ‘ في ذلك الزمن بهذه الحقيقة التي نكتشفها اليوم؟
حول لغة الأرقام
المعجزة هي الشيء الذي لا يمكن لبشرٍ أن يأتي بمثله، ومن عظمة المعجزة
القرآنية أنها تناسب كل زمان ومكان ومستمرة على مرِّ العصور.
نحن كلنا نعلم أن القرآن قد نزل في قوم برعوا بالشعر واللغة، فجاءت المعجزة
القرآنية لتعجزهم لغوياً وبلاغياً، حتى قالوا عن القرآن بأنه سحر، والإنسان لا يصف
شيئاً بالسحر إلا إذا أذهله هذا الشيء وأصبح فوق مستوى تفكيره. فالعرب قوم كان
سلاحهم الفصاحة والبيان، فعندما سمعوا أسلوب القرآن كان هذا الأسلوب الرائع وسيلة
لإقناعهم بأن هذا القرآن ليس قول بشر بل هو قول رب البشر سبحانه.
هذه هي قوة المعجزة، تقلب الملحد من الإلحاد إلى الإيمان بسرعة، وربما نتذكر
كيف كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما سمع آيات من سورة طه، فتحول
فجأة إلى إنسانٍ رقيق تدمع عينيه من خشية الله تعالى بعد أن كان من المعاندين لهذا
الدين.
وتأمل معي العصر الذي نعيشه اليوم، هل بقي للبلاغة مكان يُذكر؟ لقد أصبح
للأرقام بلاغة ربما تفوق بلاغة الكلمات، وأصبحت لغة الرقم هي لغة الإقناع ولغة
العلم ولغة التطور. والحكمة تقتضي أن تكون معجزة القرآن في هذا العصر معجزة علمية
ورقمية.
فالإعجاز العلمي للقرآن لا يخفى على أحد، فقد تحدث كتاب الله عن حقائق علمية
وكونية وطبيَّة... لم يكتشفها العلم الحديث إلا منذ سنوات فقط، أليس هذا إعجازاً
علمياً للقرآن؟
ولغة الأرقام في القرآن والتي نحاول اليوم اكتشافها سيكون لها الأثر الأكبر
في المستقبل لإقناع غير المؤمنين بأن هذا القرآن هو كتاب الله.
لماذا تتكرر القصة في القرآن الكريم؟
إن أي تساؤل حول كتاب الله لا نجد جواباً عنه يُخفي وراءهُ معجزة عظيمة.
والسؤال الذي طالما كرره العلماء: ما هو السر الحقيقي وراء تكرار القصة في كتاب
الله تعالى؟ وقد تمحورت آراء العلماء في ذلك حول أهداف ثلاثة:
1 ـ الحكمة من تكرار القصة القرآنية في مواضع متعددة من كتاب الله تعالى هي
زيادة العبرة والموعظة ولتذكير المؤمن دائماً بعاقبة المكذبين من الأمم السابقة،
ليبقى في حالة يقظة وخشية مستمرة وخوف من عذاب الله تعالى.ومن جهة ثانية ليبقى في
حالة سرور وتفاؤل برحمة الله ووعده وأنه ينجي عباده المؤمنين.
2 ـ إن من حكمة الله تعالى في ذكر القصة ذاتها في عدة سور هو استكمال جوانب
القصة، فتُذكر القصة مختصرة جداً أحياناً وأحياناً مطوَّلة، وأحياناً تُذكر أحداث
جديدة في كل مرة. إذن هنا القصة لا تتكرر إنما تتكامل.
3 ـ إن تكرار القصة في مواضع محددة من آيات القرآن يضفي على أسلوب القرآن
جمالية وروعة وبياناً لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثله. وبالرغم من تكرار القصة عبر
سور القرآن الذي استمر نزوله فترة 23 عاماً، لا نجد أبداً أي تناقض أو نقص أو
خلاف، إذن نحن هنا أمام معجزة لغوية وبيانية تشهد على أن القرآن كتاب الله تعالى.
إن الأهداف الثلاثة هذه صحيحة وتشكل بمجملها جواباً مقنعاً عن سرِّ تكرار
القصة القرآنية، ولكن هنالك هدف رابع مهم جدّاً تحدثنا عنه لغة الأرقام. فمعجزة
القرآن العظيم لا تقتصر على بلاغته وجمال أسلوبه بل إن وراء هذه اللغة البليغة لغة
لا تقل بلاغة عن بلاغة الكلمات، وهي لغة الأرقام التي تأتي اليوم لتثبت بشكل قاطع
أن القرآن كتاب مُحْكَم، وأن تكرار القصة إنما يتبع نظاماً رقمياً مذهلاً، وهذا ما
سنراه في صفحات هذا البحث إن شاء الله تعالى.
نحو نظام رقمي لسور القرآن
لقد أنزل الله القرآن خلال (23) سنة، وقال فيه: (إِنّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 15/9]،
هذا البيان الإلهي يؤكد أن الله تعالى قد حفظ كل شيء في كتابه دون تحريف أو تغيير
إلى يوم القيامة، وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن ترتيب سور القرآن الذي نراه الآن
أيضاً قد حدث بعناية الله وحفظه وقدرته، وربما يسأل سائل لماذا يختلف ترتيب سور
القرآن عن ترتيب نزول هذه السور زمنياً. وسوف نجد أن هذا الترتيب يخفي وراءه معجزة
وهذا ما سنثبته بلغة الأرقام.
لقد تبين من خلال الدراسة العلمية الرقمية لتكرار كلمات القرآن، بأن هذا التكرار
يتبع نظاماً رقمياً مُحْكَماً يعتمد على الرقم (7)، وسوف نقتصر في بحثنا هذا على
كشف النظام المذهل لسور القرآن. والمنهج الجديد الذي نعتمده هو صف أرقام السور
بجانب بعضها حسب تسلسلها في كتاب الله، وقراءة هذه الأرقام كما هي من دون أن
نجمعها أو نغير فيها شيئاً، بكلمة أخرى: ندرس القرآن كما هو دون زيادة أو نقصان أو
تبديل أي شيء فيه. وهذه الطريقة تعطي نتائج دقيقة حتى إنه يمكننا القول: إن كل
كلمة وكل حرف في هذا القرآن إنما وضعه الله تعالى وفق نظام دقيق جداً، ولو تغير
حرف واحد لاختل هذا النظام البديع.
فالقرآن كتاب مُحْكَم كيفما نظرنا لآياته وسوره وجدناها مُحْكَمة إحكاماً
دقيقاً، ولكي ندرك جانباً من هذا الإحكام وعلاقته بالرقم (7) نلجأ إلى أول سورة
وآخر سورة في كتاب الله لنجد أن رقم أول سورة هو (1)، ورقم آخر سورة هو (114). نضع
هذين الرقمين في جدول بسيط:
الســـــورة أول
سورة في القرآن آخر سورة في القرآن
رقـمـهــا 1 114
من هذا الجدول عندما نصف الرقمين (1 ـ 114) نحصل على عدد جديد هو (1141) أي
(ألف ومئة وواحد وأربعون)، هذا العدد الذي يمثل أول وآخر سورة يقبل القسمة تماماً
على (7)، أي العدد (1141) ينقسم على (7) من دون باقٍ، لذا:
1141 = 7 × 163
إن مجموع
أرقام العدد (1141) هو سبعة:1+ 4+ 1+ 1 = 7
إن سور القرآن العظيم البالغ عددها (114) سورة قد رتبها الله تعالى ونظم
كلماتها بشكل يعجز البشر عن الإتيان بمثله. فنجد الكلمة القرآنية تتكرر عبر سور
القرآن بنظام رقمي يكون الرقم (7) هو الرقم المشترك بين هذه السور.
في الفقرات القادمة سوف نشاهد بعض المواقف من قصص القرآن، وكيف تكررت
كلماتها بنظام مُحْكَم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأمثلة هي جزء صغير وصغير جداً مما هو موجود في
كتاب الله عزَّ وجل.
من قصة إبراهيم عليه السلام
أول شيء رفضه الأنبياء جميعاً هو عبادة الأصنام، فهذا خليل الرحمن إبراهيم
عليه السلام يبدأ بأبيه الذي كان يتخذ آلهة من الأصنام فيقول منكراً عليه هذا
العمل: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ
أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)
[الأنعام: 6/74]، وتتكرر قصة إبراهيم عبر آيات القرآن، ولكن في موضع آخر يوجه
النداء إلى أبيه وقومه معاً فيقول: (وَاتْلُ
عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا
تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا
فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) [الشعراء: 26/69 ـ 71].
الملفت للانتباه في هذين النصين من كتاب الله أن كلمة (أصناماً) لم ترد في القرآن كله إلا في هاتين السورتين
فقط. ودائماً في سياق قصة إبراهيم، بكلمة أخرى كلمة (أصناماً)
خاصة بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام. وهنا نكتشف شيئاً جديداً وهو أن كل كلمة من
كلمات القرآن تستخدم استخداماً دقيقاً جداً من أول القرآن وحتى آخره.
إذن نحن أمام نظام لغوي مُحْكَم، يرافقه نظام رقمي مُحْكَم أيضاً، ولكن كيف
ذلك، وما علاقة سورة الأنعام بسورة الشعراء؟ وما علاقة الرقم (7) بذلك؟
عندما نقوم بصَف رقمي السورتين (6 ـ 26) يتشكل لدينا عدد جديد هو (266)
(مئتان وستة وستون)، إن هذا العدد من مضاعفات الرقم (7)، أي ينقسم على (7) تماماً:
266 = 7 × 38
إن هذه النتيجة تتكرر كثيراً في كلمات القرآن، فمثلاً نجد البيان القرآني
يثني على إبراهيم عليه السلام وصبره وكثرة رجوعه إلى الله تعالى وشدة حِلمِه
وإنابته للخالق عز وجل.
يقول عز وجل في مُحْكَم الذكر عن إبراهيم عليه السلام: (وَمَا
كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا
إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ
إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة: 9/114]، ويتكرر هذا الثناء على إبراهيم عليه السلام في سورة أخرى،
يقول تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُنِيبٌ) [هود: 11/75]. وهنا نجد حقائق لغوية ورقمية، فكلمة
(أواه) في القرآن لم ترد إلا في هاتين السورتين، وكما نرى الحديث دائماً مرتبط
بصفة لإبراهيم عليه السلام، وكأن الله تعالى قد خَصَّ كل نبيٍّ بصفات لم يعطها
لغيره. فكلمة (أواه) هي صفة لسيدنا إبراهيم عليه
السلام، وهذه حقيقة لغوية لا يمكن ّّّلأحدٍ أن ينكرها.
وهنا نجد النظام نفسه يتكرر مع هذه الكلمة، فعندما نقوم بصفّ رقمي السورتين
(9 ـ 11) نجد عدداً جديداً هو (119)، هذا العدد أيضاً ينقسم على (7) من دون باق:
119 = 7 × 17
وهنا لدينا ملاحظة مهمة وهي أن سورة التوبة نزلت بعد سورة هود بسنوات ولكننا
نجد ترتيبها في القرآن بعكس ذلك. وهنا ربما نستنتج جزءاً من الحكمة في تسلسل سور
القرآن بالشكل الذي نراه. فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يختار ترتيباً لسور كتابه
يناسب النظام الرقمي المُحْكَم لهذه السور، فلو تغيرَّ هذا الترتيب لاختل هذا
النظام, والله تعالى أعلم.
إذن ترتيب سور القرآن تم بوحي وقدرة وإلهامٍ من الله سبحانه وتعالى، وهذا
دليل على صدق هذا القرآن وصدق رسالة الإسلام إلى البشر جميعاً.
ويجب ألا يخفى علينا أن الله تعالى قد نظَّم كل شيء في هذا الكون، كذلك
نظمَّ كل شيء في هذا القرآن.
من قصة بني
إسرائيل
لقد أنجى الله بني إسرائيل من عدوّهم فرعون ومنَّ عليهم بنعمٍ كثيرة، ولكنهم
قابلوا هذه النعم بالعصيان والطغيان. هذا هو كتاب الله ينطق بالحق ليعبرَّ لنا عن
حقيقة هؤلاء القوم، وقد وضع الله تعالى بحكمته كل كلمة من كلمات هذه القصة بشكل
يعجز البشر عن الإتيان بمثله.
قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل تكررت كثيراً في القرآن، هذا التكرر
يخفي وراءه معجزة رقمية. فعندما يتحدث القرآن عن نجاة بني إسرائيل من فرعون يُكرّر
هذا الحدث بنظام دقيق. فكلمة ( أَنجَيْنَاكُم}
تكررت في القرآن كله (3) مرات في هذه الآيات:
1 ـ (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ
فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ)
[البقرة: 2/50].
2 ـ (وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ
يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ
نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) [الأعراف:
7/141].
3 – (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ
وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ
وَالسَّلْوَى) [طه: 20/80].
هذه الكلمة لم ترد في القرآن إلا أثناء الحديث عن بني إسرائيل ولم ترد في
أية قصة أخرى، فهذه الكلمة خاصة ببني إسرائيل واستُخدمت في وصف الموقف ذاته.
ومع أن السور الثلاثة التي ذكرت فيها هذه الكلمة متباعدة منها ما نزل بمكة
ومنها ما نزل بالمدينة، إلا أنها جاءت منسجمة من حيث المعنى اللغوي فلا خلاف
بينها. والعجيب فعلاً أن ترتيب هذه السور الثلاثة في القرآن يتبع نظاماً رقمياً.
والعدد الذي يمثل هذه السور الثلاث (2072) ينقسم على (7) تماماً:
2072 = 7 × 296
لقد أنجى الله تعالى بني إسرائيل من عدوهم فرعون، ليس هذا فحسب بل أنزل الله
عليهم المن والسلوى عسى أن يشكروا نعمة الله عز وجل، ويحدثنا القرآن عبر (3) آيات
عن هذه النعم، فيقول:
1 ـ (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ
وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
[البقرة: 2/57].
2 ـ (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ
اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ
عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ
وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
[الأعراف: 7/160].
3 ـ (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم
مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) [طه: 20/80].
تتكرر هذه الحقيقة ثلاث مرات ولكن النظام الرقمي يبقى واحداً، ويبقى الرقم
(7) هو محور هذا الإعجاز الإلهي.
إن أرقام السور هذه (2-7-20) تشكل عدداً يقبل القسمة على (7) تماماً:
2072 = 7 × 296
ولكن قد يسأل سائل: ماذا عن أرقام الآيات؟ ونقول إن كل شيء في هذا القرآن
منظم بنظام دقيق يفوق طاقة الإنس والجن. لذلك رأينا أن أرقام السور الثلاث تشكل
عدداً من مضاعفات الرقم سبعة، ولنكتب الآن أرقام هذه الآيات الثلاث لنرى أن النظام
الرقمي يبقى مستمراً:
إن العدد الذي يمثل هذه الآيات الثلاث هو (8016057) (عدد مركب من 7 مراتب)
ويقبل القسمة على (7) تماماً:
8016057 = 7× 1145151
وهنا نرى أن ناتج هذه القسمة (1145151) عدد مكون من (7) مراتب ويقبل القسمة
على (7) أيضاً:
1145151 = 7× 163593
ولكن بعد هذه النعم العظيمة لبني إسرائيل كيف كان ردهم على ذلك، وكيف قابلوا
هذه النعم؟ لقد قابلوا هذه النعم بالعصيان على الرغم من سماعهم لصوت الحق، لنتأمل
هاتين الآيتين في صفة بني إسرائيل وكيف عبَّر عنهم البيان الإلهي:
1 ـ (وَإِذْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم
بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا
وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ
الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن
كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 2/93].
2 ـ (مِّنَ
الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن
لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً)
[النساء: 4/46].
إن عبارة سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا لم ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين وكما
نرى الحديث دائما على لسان بني إسرائيل، وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا بأن هذه
الكلمة لا تليق إلا بهؤلاء، فهي لم ترد على لسان أي من البشر إلا بني إسرائيل!
هذه الحقيقة نكتشفها اليوم لنعلم حقيقة هؤلاء اليهود الذين حرفوا كلام الله،
لذلك جاءت كلمة (وَعَصَيْنَا) لتعبر تعبيراً
دقيقاً عن مضمون هؤلاء. وقد لاحظتُ شيئاً عجيباً في هاتين الآيتين:
1 ـ الآية الأولى جاءت بصيغة الماضي
قَالُواْ ، فهذا يدل على ماضيهم وتاريخهم في
المعصية. ولكي لا يظن أحد أن هذا الماضي انتهى جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمرار وَيَقُولُونَ للدلالة على حاضرهم ومستقبلهم في معصية
أوامر الله تعالى، فهم في حالة عصيان مستمر.
2 ـ ولكن لغة الأرقام تأتي لتنطق بالحق وتصدق قول
الله تعالى، فأرقام السورتين تشكل عدداً يقبل القسمة على (7)، وكما نرى العدد الذي
يمثل السورتين هو(42) يقبل القسمة على (7) تماماً:
42 = 7 × 6
لم يكتفوا بعصيانهم بل أغلقوا قلوبهم وغلفوها بغلاف من الجحود والكفر، ويأتي
البيان القرآني ليصف قلوب هؤلاء على لسانهم، ولنستمع إلى هاتين الآيتين:
1 ـ (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل
لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:
2/88].
2 ـ (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم
بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ
قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ
إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 4/155].
وهنا من جديد نجد أن عبارة قُلُوبُنَا غُلْفٌ لم
ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين، وهذا يثبت أن كلمات القرآن تُستخدم بدقة
متناهية فكلمة غُلْفٌ هي كلمة خاصة ببني إسرائيل
بل لا تليق هذه الكلمة إلا بهم. ولكن هنالك شيء أكثر إدهاشاً.
1 ـ فــالآيــة الأولـى جـــاءت علـى صيغــة المـــاضـي وَقَالُواْ لتخبرنا عن ماضي هؤلاء وحقيقة قلوبهم
المظلمة، ثم جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمرار وَقَوْلِهِمْ
لتؤكد حاضرهم ومستقبلهم أيضاً، وهذا التدرج الزمني كثير في القرآن، فتسلسل الآيات
والسور يراعي هذه الناحية لذلك يمكن القول بأن القرآن يحوي من الإعجازات ما لا
يتصوره عقل: لغوياً وتاريخياً وعلمياً وفلسفياً وتشريعياً ورقمياً، ألا نظن أننا
أمام منظومة إعجازية متكاملة في هذا القرآن؟
2 ـ في الآية الأولى نلاحظ قول الله تعالى وردّه عليهم بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ، وهذا منتهى
الذل أن يلعنهم الله فماذا بقي لهم من الأمل في الدنيا أو الآخرة؟ ولكن الآية
الثانية نجد قول الله ورده عليهم بصيغة ثانية: بَلْ
طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا وهذا يؤكد أنه لا أمل لهذه القلوب أن تنفتح أمام
كلام الله، فقد لعنهم الله وطبع على قلوبهم فماذا ينتظرون بعد ذلك؟
3 ـ ولكن هل تنطبق هذه المــواصفـات على جميـع اليهــود؟
إن نهايتَي الآيتين تجيبنا على ذلك، فالآية
الأولى انتهت بـ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ للدلالة
على قلة إيمانهم أما الآية الثانية فانتهت بـ فَلاَ
يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً حتى المؤمنون منهم عددهم قليل جداً.
إذن هم قليلو الإيمان كيفاً وكماً. وهنا نتساءل: أليست هذه معجزة بلاغية
فائقة؟
ولكن للأرقام أيضاً بلاغتها ومنطقها، فقد جاءت أرقام السورتين متناسبة مع
الرقم (7)، العدد (42) في هذا الجدول يقبل القسمة على (7) أيضاً:
42 = 7 × 6
وهكذا لو سرنا عبر قصة بني إسرائيل في القرآن ومواقفهم مع نبي الله موسى
عليه السلام، لرأينا أن كل شيء يسير بنظام، وهذه القصة تحتاج لبحث مستقل بل مجموعة
من الأبحاث لكشف أسرار معجزة هذا القرآن.
من قصة صالح عليه السلام
النبي صالح عليه السلام هو رسول كريم أرسله الله لقوم زاد طغيانهم واستكبروا
في الأرض بغير الحق، إنهم قوم ثمود، لم يدمرهم الله فجأة، بل أرسل إليهم من
يحاورهم ويقيم عليهم الحُجَّة ويُقنعهم؟ وهكذا حال رسُل الله عليهم السلام، جاءوا
بالبينات وبالمجادلة بالتي هي أحسن.
لقد كانت معجزة هذا النبي الكريم هي الناقة التي أيَّده الله تعالى بها، فما
هي الآيات التي تحدثت عن معجزة هذا النبي الكريم؟ وهل يوجد وراء تكرارها معجزة
ثانية؟
لقد تكررت كلمة (الناقة) في القرآن بالضبط
(7) مرات، والحديث دائماً يخص قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام. لنستعرض هذه
الآيات السبعة لنرى أنه لا يوجد تكرار في القرآن، بل نظام متكامل:
1 ـ (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا
قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم
بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا
تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ) [الأعراف: 7/73].
2 ـ (فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ
الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 7/77].
3 ـ (وَيَا قَوْمِ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ
آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) [هود: 11/64].
4 ـ (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ
إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً
فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء:
17/59].
5 ـ (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ
شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الشعراء: 26/155].
6 ـ (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً
لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) [القمر: 54/27].
7 ـ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ
اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) [الشمس: 91/13].
إذن تتكرر كملة النَّاقَةِ سبع مرات في
القرآن، وكما نرى الحديث دائماً في الآيات السبعة عن قصة سيدنا صالح عليه السلام
مع قومه ثمود. ولو تعمقنا في هذه القصة كيف تكررت في القرآن نجد أنه في كل سورة
تذكر فيها هذه القصة نجد أسلوباً جديداً في التعبير، وبالرغم من ذلك لا نجد أثراً
لأي تناقض أو اختلاف، أليس هذا دليلاً على أن القرآن هو كتاب مُحْكَم؟
وفي بحثنا هذا نحن نستخدم لغة الأرقام لإثبات معجزة القرآن في كل عصرٍ من
العصور. إن أرقام السور التي وردت فيها كلمة نَاقَةَ
هي:
7-11-17-26-54-91
إن هذه السور تتبع نظاماً رقمياً يعتمد على الرقم سبعة، فعندما نقوم بصف
أرقام هذه السور يتشكل لدينا عدد ضخم هو: (91542617117) هذا العدد ينقسم على (7)
تماماً، لنرى مصداق ذلك بلغة الأرقام:
91542617117 = 7 × 13077516731
إننا في هذه النتيجة أمام حقيقة رقمية ثابتة، فكلمات القرآن تتكرر بنظام
مُحْكَم وفق خطة رسمها البارىء عز وجل لكتابه ليكون أعظم كتاب على الإطلاق. فعلى
الرغم من تباعد هذه السور الستة ونحن نعلم أنها نزلت خلال فترة زمنية تمتد سنواتٍ،
جاءت كلمة (الناقة) دائماً في القصة ذاتها ولم
ترد في أية قصة أخرى، وهكذا حال كثير من كلمات القرآن الكريم.
ولكي نزداد يقيناً بعظمة هذا النظام المُحْكَم ندقق النظر في هذه القصة
وتكرارها في كتاب الله. فقد ورد تحذير على لسان صالح عليه السلام فقال لقومه في
ثلاث مواضع من القرآن عن عذاب الله:
1 ـ (وَإِلَى ثَمُودَ
أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ
غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ
آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ
فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الأعراف: 7/73].
2 ـ (وَيَا قَوْمِ
هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ
تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) [هود: 11/64].
3 ـ (وَلَا تَمَسُّوهَا
بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء: 26/156].
هذه العبارة لم ترد إلا في هذه المواضع الثلاثة من كتاب الله، ودائماً على
لسان صالح عليه السلام، والمذهل أن كلمة فَيَأْخُذَكُمْ
لم ترد في القرآن كله إلا في هذه الآيات الثلاث، وكأن هذه الكلمة خاصة بقوم ثمود
وأنه سيأخذهم عذاب أليم ـ’قريب ـ عظيم.
وانظر معي إلى التدرج اللغوي في هذه الآيات الثلاث عن صفة عذاب الله فحذرهم
أولاً من (عذاب أليم) ولكنهم لم يستجيبوا لهذا
التحذير فأكد لهم بعدها بقوله: (عذاب قريب) أي أن عذاب الله قد اقترب، ولكنهم لم يبالوا
بهذا النداء فجاءهم التحذير الأخير ليصف أن اليوم الذي ينتظرهم قد اقترب كثيراً
فقال لهم (عذاب يوم عظيم) فأكد صدق هذا الوعد
بكلمة (يوم) وأنه سيكون يوماً عظيماً
هذا التدرج اللغوي المُحْكَم الذي يدل على إعجاز القرآن، نجد وراءه تدرجاً
رقمياً مذهلاً، فأرقام السور الثلاث هذه أيضاً لها علاقة بالرقم سبعة، إن العدد
الذي يمثل أرقام السور الثلاثة هو 26117 يقبل القسم على سبعة تماماً:
26117 = 7 × 3731
والعجيب أن ناتج القسمة هذا أيضاً ينقسم على (7) تماماً:
3731 = 7× 533
تجدر الإشارة إلى أن كلمة (ولا تمسّوها) أيضاً
لم ترد إلا في هذه الآيات الثلاث، فهي كلمة خاصة بقصة قوم ثمود ولم ترد في أي موضع
آخر. إننا في هذه الحالة أمام برنامج متكامل لاستخدام الكلمات في القرآن، وهذا
إعجاز جديد في كتاب الله تعالى وهو إعجاز استخدام الكلمات في القرآن الكريم.
ونتساءل: هل يستطيع أدباء البشر وشعراؤهم وعلماؤهم أن يؤلفوا كتاباً ضخماً
مثل القرآن ويحددوا مسبقاً استخدام كل كلمة من كلماته؟
نعود الآن للآيات السبعة حيث وردت كلمة (الناقة)
فإذا دققنا النظر في هذه الكلمة نجد أنها وردت بصيغة (ناقة)
أي غير معرَّفة (من دون الـ التعريف) (4) مرات، المذهل أن العدد الذي يمثل هذه
السور الأربعة يبقى قابلاً للقسمة على (7) تماماً:
9126117 = 7 × 1303731
وهنا نستنتج أن النظام الرقمي المُحْكَم لا يقتصر على كل كلمة من كلمات
القرآن فحسب، بل على شكل هذه الكلمة أيضاً. وبالنتيجة يمكن القول: كيفما نظرنا
لهذا القرآن وجدناه كتاباً مُحْكَماً.
وعلى الرغم من معجزة صالح عليه السلام، وتحذيره لقومه فإنهم كانوا قوماً
مفسدين، لم يستجيبوا لنداء الله تعالى ولا لتحذير رسوله فعقروا هذه الناقة. ويأتي
البيان الإلهي ليصف هذا التعدي على حدود الله وعاقبة ذلك. لنتأمل الآيات الثلاث
الآتية:
1 ـ (فَعَقَرُوهَا
فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ
مَكْذُوبٍ) [هود: 11/65].
2 ـ (فَعَقَرُوهَا
فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ) [الشعراء: 26/157].
3 ـ (فَكَذَّبُوهُ
فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا) [الشمس:
91/14].
إن كلمة (عقروها) لم ترد في القرآن كله إلا
في هذه الآيات الثلاث، وكما نرى الحديث دائماً عن قصة ثمود. في هذه الآيات معجزة
يمكن تسميتها بمعجزة تسلسل الحدث في القرآن. فالآية الأولى تحدثت عن وعد صالح عليه
السلام لهم بالعذاب جزاء فعلتهم، ثم تأتي الآية الثانية لتعبر عن ندمهم لأنهم
أدركوا أن العذاب واقع لا محالة. أما الآية الثالثة فجاءت بالعذاب مباشرة (فدمدم عليهم ربّهم). إذن جاءت التدرج الزمني للأحداث
عبر الآيات الثلاث من الوعد بالعذاب.. إلى اقتراب هذا العذاب حيث لا ينفع الندم...
وأخيراً وقوع هذا العذاب. ومع أن هذه الآيات متباعدة من حيث النزول ومن حيث
الترتيب في القرآن فقد جاءت متناسقة ومتدرجة وتعبر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذه
القصة. فأين هم كُتاّب القصة من نظام كهذا؟
إن أحدنا ينسى ما كتبه في الأسبوع الماضي، فهل بقي محمد ‘ وهو النبي الأمي
متذكراً هذه القصة وغيرها (23) سنة؟ أليس في هذا دليل على صدق رسالة هذا الرسول
الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم؟
ولكن قد يأتي من لا تقنعه لغة الكلمات هذه على وضوحها، فهل أعد الله لأمثال
هؤلاء لغة تقنعهم؟ إنها لغة الرقم التي لن يجد أعداء القرآن مهرباً من الاعتراف
بها ولوفي قرارة أنفسهم.
فلو عدنا للآيات الثلاث حيث وردت كلمات (عقروها)
لوجدنا أنها تقع في ثلاث سور ، إن العدد الذي يمثل هذه السور الثلاث هو(912611)
ينقسم على (7) تماماً:
912611 = 7 × 130373
وسبحان الله! أرقام السور ذاتها تتكرر ويبقى نظام ثابتاً وواحداً وشاهداً
على وحدانية البارىء عز وجل!!
ملاحظة:
إن أرقام السور الستة حيث وردت كلمة (الناقة)
تتشابك مع بعضها دون أن يختل النظام الرقمي لها:
1 ـ كلمة (الناقة) وردت في السور: (7، 11،
17، 26، 54، 91).
2 ـ كلمة (ناقة) وردت في السور: (7، 11،
26، 91).
3 ـ كلمة (يأخذكم) وردت في السور: (7، 11،
26).
4 ـ كلمة (عقروها)
وردت في السور: (11، 26، 91).
وانظر معي إلى عظمة المعجزة الرقمية، فالأرقام ذاتها تتكرر والكلمات أيضاً
نفسها تتكرر ويبقى النظام الرقمي واحداً لا يختلف ولا يتغير. فكل عدد من الأعداد
الأربعة السابقة يقبل القسمة على (7) تماماً:
1 ـ (91542617117) : يقبل القسمة على (7).
2 ـ (9126117) : يقبل القسمة على (7).
3 ـ (26117) : يقبل القسمة على (7).
4 ـ (912611) : يقبل القسمة على (7).
إن هذه الأعداد الأربعة قد دخل في تركيبها العدد (11) (رقم سورة هود) والعدد (26) (رقم سورة الشعراء)، أما الرقم (7) (سورة الأعراف) فقد دخل في تركيب الأعداد
الثلاث الأولى... وهكذا منظومة وشبكة من الأرقام، فهل نستطيع نحن البشر تركيب مجرد
أرقام بهذه المواصفات؟ فكيف إذا كانت هذه الأرقام تعبر عن أحداث وقصص وكلمات
بليغة؟ أليست هذه آية من آيات الله في آفاق أرقام الواسعة؟ الإعجاز التاريخي لقصص
القرآن
لا يوجد في العالم كتاب مثل القرآن يسرد القصة ويكررها مراراً، وبالرغم من
ذلك لا تملُّ منه الألسُن ولا يشبع منه العلماء ولا تنقضي عجائبه، وهذا أمر طبيعي
فالقرآن كتاب الله رب البشر، فهل يعقل أن يتفوق البشر على خالقهم؟ والذي لا يؤمن
بكتاب ربه فبمَ يؤمن إذن؟
وفي هذا البحث تصديق واضح لكلام الله تعالى، فلو أراد أحد أن يؤلف كتاباً
يشبه القرآن ويراعي النظام الرقمي لتكرار الكلمات فلن يستطيع بل سيحصل على ما يشبه
الكلمات المتقاطعة التي لا معنى لها، وربما هذه لا يتمكن منها أبداً. فالله تعالى
تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ليس لغوياً فحسب بل رقمياً أيضاً.
فلو قام أحدنا بتركيب أرقام تنقسم على (7)، فإنه سيجد صعوبة وجهداً خصوصاً
عندما تكثر هذه الأرقام. ولا ننسى أننا في هذا النظام الرقمي لسور القرآن نحن أمام
أعداد محددة ومتسلسلة، أي من (1) وحتى (114)، وتراعي تسلسل سور القرآن، فلا يجوز
تقديم رقم على رقم أو سورة على سورة، وبالرغم من ذلك نجد أن كلمات القرآن كلها
مُحْكَمة سواءً رأينا هذا الإحكام أم لم نتمكن من رؤيته. والأمثلة في هذا البحث هي
غيض من فيض فلو استعرضنا كلمات القرآن كلها وحروفه، لاحتجنا إلى مئات الأبحاث العلمية.
ولكن الهدف ليس كثرة الأرقام بل ما تعبر عنه هذه الأرقام، لندرك عظم شأن هذا
القرآن وعظم هذا النبي الأمي ‘ الذي علم العلماء وكان رحمة للعالمين.
والآن سوف نرى أن النظام المُحْكَم لسور القرآن لا يقتصر على كلماته فحسب,
بل الكلمات التي تعبر عن مرحلة زمنية أيضاً منظمة تنظيماً زمنياً دقيقاً.
إبراهيم ويوسُف عليهما السلام
قصتين في القرآن لرسولين تجمع بينهما صفة الصبر على الأذى، إبراهيم عليه
السلام صبر على أذى أبيه وقومه ويأتي بعده يوسف عليه السلام ليصبر على إخوته، وفي
كلتا القصتين يأتي الأذى من قريب (أبو إبراهيم ـ وإخوة
يوسف). وتبدأ قصة إبراهيم عليه السلام: عندما علَّمه الله تعالي وأراه ملكوت
السماوات والأرض. يقول تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) [الأنعام: 6/76].
ويأتي من بعده يوسف عليه السلام لتبدأ قصتهُ أيضاً برؤيا يقصها على أبيه
فيقول: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي
رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي
سَاجِدِينَ) [يوسف: 12/4]. والعجيب أن كلمة (كوكباً)
لم ترد في القرآن إلا في هاتين الآيتين في سياق قصة إبراهيم وقصة يوسف عليهما
السلام. وجاء تسلسل الآيتين في كتاب الله مطابقاً للتسلسل التاريخي لقصة هذين
الرسولين. فكما نعلم إبراهيم يسبق يوسف زمنياً فيوسف هو حفيد إبراهيم، وهذه معجزة
تاريخية لقصص القرآن العظيم.
أرقام السورتين حيث وردت كلمة (كوكباً) حسب
تسلسلها في القرآن تشكل عدداً هو (126) من مضاعفات الرقم سبعة:
126 = 7 × 18
حتى أرقام الآيتين قد رتبها الله تعالي بشكل يتناسب مع الرقم (7)، إن العدد
الذي يمثل رقم الآيتين هو (476) ينقسم على (7) تماماً:
476 = 7 × 68
ولكن العجيب أن ناتجي القسمة في كلتا الحالتين (18) و(68) لو قمنا بصف هذين
العددين لنتج معنا عدد يقبل القسمة على (7) أيضاً:
6818 = 7 × 974
إذن أرقام السور نظمها الله بنظام مُحْكَم، أرقام الآيات أيضاً نظمها الله
بنظام مُحْكَم، وحتى ناتج القسمة نظَّمه الله تعالى بنظام مُعجز، أليست هذه معجزة
تستحق التدبر والاهتمام؟ وهل يمكن لمعجزة القرآن العظيم أن تكون وسيلة لزيادة
الإيمان وزيادة التدبر في آيات القرآن وبالتالي زيادة القرب من الله تعالى؟
كلمة لأربع أنبياء
يبشر الله عباده المؤمنين برسول كريم اسمه أحمد ‘، وتأتي البشرى على لسان
روح الله وكلمته المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فيقول هذا الرسول الكريم لبني
إسرائيل مبشراً لهم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً
لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن
بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُّبِينٌ) [الصف: 61/6]. ونحن نعلم أنه لا نبي بعد رسول الله ‘ فهو خاتم
النبيين.
إن عبارة (من بعدي) في هذه الآية تدل على
زمن، هذه العبارة تكررت في القرآن، ونسأل: كيف تكررت هذه العبارة وعلى لسان مَن
وردت؟ وما هو ترتيب الآية السابقة التي جاءت على لسان المسيح عليه السلام؟ لنستمع إلى هذه الآيات الأربعة:
1 ـ (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ
الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ
إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً
وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
[البقرة:2/133].
2 ـ (وَلَمَّا رَجَعَ
مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن
بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ
أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي
وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ
الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 7/150].
3 ـ (قَالَ
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي
إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [ص: 38/35].
4 ـ (وَإِذْ قَالَ عِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً
لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن
بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ
مُّبِينٌ) [الصف: 61/6].
إن كلمة (بعدي) لم ترد إلا في هذه الآيات
الأربعة من القرآن، ولكن السؤال على لسان من وردت هذه الآيات؟ إذا استعرضنا هذه
الآيات من القرآن وجدنا أن:
1 ـ الآية الأولى في سياق قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ الآية ثانية في سياق قصة موسى وهارون عليهما السلام.
3 ـ
الآية الثالثة في سياق قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ الآية الرابعة في سياق قصة المسيح عليه السلام والبشرى.
هذه لغة القصة في كتاب الله تعالى, ولكن ماذا تخبرنا لغة التاريخ؟
إن تسلسل هذه الآيات الأربعة مطابق تماماً للتسلسل التاريخي لهذه القصص،
فنحن جميعاً نعلم دون خلاف أن التسلسل التاريخي للأنبياء الأربعة هو: يعقوب ثم
موسى ثم داود ثم المسيح عليهم السلام، لذلك جاء تسلسل الآيات الأربعة موافقاً لهذا
الترتيب. وهنا ربما ندرك الحكمة من أن ترتيب سور المصحف يختلف عن ترتيب نزول سور
القرآن، لأن هذا الترتيب فيه معجزة!
ولكن هنالك ملاحظة مذهلة وهي أن كلام المسيح عليه السلام والبشرى التي جاء
بها، ورد في آخر هذه الآيات وهذا دليل على أنه لا نبي بعد رسول الله ‘. وهذا ليس
كل شيء فلا يزال هنالك المزيد، فالأرقام لها حديث هنا، فلو قمنا بكتابة أرقام
السور الأربعة حيث وردت كلمة (بعدي) نجد أن العدد
الذي يمثل هذه السور الأربعة هو (613872) يقبل القسمة على (7) تماماً:
613872 = 7 × 87696
والعدد الناتج من هذه العملية هو (87696) أيضاً ينقسم على (7) تماماً:
12528 × 7 = 87696
الترتيب الزمني للقصة
الإسلام هودين العلم، لذلك فقد علمَّ الله أنبياءه ورُسلَه الكرام فقال في
حق يعقوب عليه السلام: (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ
أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ
حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا
عَلَّمْنَاهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف:
12/68].
أما العبد الصالح في قصته مع موسى عليه السلام فقد قال الله فيه (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ
عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً) [الكهف: 18/65].
وفي قصة داود وسليمان عليهما السلام فقد علمَّ الله سليمان علوماً كثيرة
فقال: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ
لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) [الأنبياء:
21/80].
ولكن عندما يكون الحديث عن خاتم النبيين يأتي البيان الإلهي ليمدح هذا النبي
الأمي ‘ ويؤكد بأن كل كلمة نطق بها إنما هي وحي من عند الله تعالى. يقول تعالى عن
نبيه وحبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام: (وَمَا
عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ
مُّبِينٌ) [يس: 36/69].
والعجيب حقاً أن كلمة (عَلَّمْنَاهُ) وردت
مع أنبياء الله وعباده المؤمنين دائماً بصيغة الإثبات إلا مع الرسول الأعظم ‘ فقد
جاءت بصيغة النفي (وما عَلَّمْنَاهُ) ليؤكد لنا
أن القرآن هو كتاب الله تعالى وليس للرسول ‘ ولا حرفاً فيه بل كلٌّ من عند الله.
وهذه الحقيقة اللغوية ثابتة لأن كلمة (عَلَّمْنَاهُ)
تكررت في القرآن كله 4 مرات، والحديث عن 4 عباد صالحين هم: يعقوب ـ الخَضِر ـ داود
ـ محمد عليهم السلام وجاء ترتيب هذه الآيات الأربعة موافقاً ومطابقاً للتسلسل
التاريخي.
1 ـ قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ قصة موسى مع الخضر عليهما السلام.
3 ـ قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ حديث عن محمد صلى الله عليه وسلم.
ونتساءل: هل جاء الترتيب الزمني والترتيب القرآني متطابقاً بالمصادفة؟ وهل
يمكن لمصادفة أن تتكرر؟
لنكتب أرقام السور الأربعة حيث وردت هذه الكلمة حسب تسلسلها في القرآن:
وهنا نجد الإعجاز الرقمي لهذه الأعداد، فالعدد الجديد المتشكل من أرقام هذه
السور الأربعة هو (36211812) يقبل القسمة على (7) تماماً:
36211812 = 7 × 5173116
بعد هذه النتائج التي لا تقبل الجدل فلغة الأرقام هي لغة يقينية وثابتة،
وبعدما رأيناه من إعجاز لغوي وتاريخي ورقمي نطرح سؤالاً على كل من لم يؤمن بهذا
القرآن: كيف جاء هذا النظام المُحْكَم؟ هل كان الرسول الكريم ‘ متفرغاً للحسابات
والأرقام؟ هل كان أصحابه رضوان الله عليهم عندما جمعوا القرآن ورَّتبوه بالشكل
الذي نراه وبالشكل الذي ارتضاه الله لكتابه، هل كانوا علماء في الرياضيات والأنظمة
الرقمية؟
من خطاب نوح لقومه
لقد استكبر قوم نوح عليه السلام عن الإيمان وطلبوا منه أن يطرد المؤمنين
فقال لهم: (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ
آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَـكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً
تَجْهَلُونَ) [هود: 11/29].
وفي موضع آخر ورد هذا الرد على لسان نوح عليه السلام فقال لقومه: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء:
26/114].
إذن كلمة (طارِد) تكررت مرتين في القرآن
كله ودائما ترد هذه الكلمة على لسان نوح عليه السلام، وجاءت أرقام السورتين: هود
(11)، الشعراء (26) لتشكل عدداً هو (2611) من مضاعفات السبعة بالاتجاهين:
العدد: 2611 = 7 × 373
مقلوبه: 1162 = 7 × 166
ومجموع الناتجين (373) و (66) يعطي عدداً من مضاعفات السبعة لمرتين:
373+ 66 = 539 = 7 × 7 × 11
ولكن الله تعالى ينجي رسله الذين آمنوا، فقد تك